فصل: فصلٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَصِيَّةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي اعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَصِيَّةِ:

قَالَ: (وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِامْرَأَةٍ بِدَيْنٍ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِشَيْءٍ أَوْ وَهَبَ لَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ جَازَ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ عِنْدَ صُدُورِهِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَا يَبْطُلُ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ أَوْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ يُؤَخَّرُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ، وَالْهِبَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُنَجَّزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا لِأَنَّ حُكْمَهَا يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَعِنْدَ عَدَمِ الدَّيْنِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ.
قَالَ: (وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِابْنِهِ بِدَيْنٍ وَابْنُهُ نَصْرَانِيٌّ أَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ فَأَسْلَمَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ) أَمَّا الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ فَلِمَا قُلْنَا: إنَّهُ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَهُمَا إيجَابَانِ عِنْدَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْإِقْرَارُ وَإِنْ كَانَ مُلْزِمًا بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيُعْتَبَرُ فِي إيرَاثِ تُهْمَةِ الْإِيثَارِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ الزَّوْجِيَّةُ وَهِيَ طَارِئَةٌ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِقِيَامِ السَّبَبِ حَالَ صُدُورِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا فَأُعْتِقَ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لَهُ وَهُوَ ابْنُهُ وَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا وَقْتُ الْمَوْتِ.
وَأَمَّا الْهِبَةُ فَيُرْوَى أَنَّهَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ رَقِيقٌ، وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ هِيَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ فَلَا تَصِحُّ.
قَالَ: (وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالْأَشَلُّ وَالْمَسْلُولُ إذَا تَطَاوَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُخَفْ مِنْهُ الْمَوْتُ فَهِبَتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ صَارَ طَبْعًا مِنْ طِبَاعِهِ وَلِهَذَا لَا يَشْتَغِلُ بِالتَّدَاوِي، وَلَوْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَرَضٍ حَادِثٍ.
(وَإِنْ وَهَبَ عِنْدَمَا أَصَابَهُ ذَلِكَ وَمَاتَ مِنْ أَيَّامِهِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ إذَا صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ) لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ وَلِهَذَا يَتَدَاوَى فَيَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.بَابُ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ:

قَالَ (وَمَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا أَوْ بَاعَ وَحَابَى أَوْ وَهَبَ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ وَيُضْرَبُ بِهِ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَهُوَ وَصِيَّةٌ مَكَانَ قَوْلِهِ جَائِزٌ، وَالْمُرَادُ الِاعْتِبَارُ مِنْ الثُّلُثِ وَالضَّرْبُ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا لَا حَقِيقَةَ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّهَا إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذَا مُنَجَّزٌ غَيْرُ مُضَافٍ، وَاعْتِبَارُهُ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ مَا ابْتَدَأَ الْمَرِيضُ إيجَابَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِيهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ أَوْجَبَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِضَافَةِ دُونَ حَالَةِ الْعَقْدِ وَمَا نَفَّذَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَمِنْ الثُّلُثِ، وَكُلُّ مَرَضٍ صَحَّ مِنْهُ فَهُوَ كَحَالِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ بِالْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ.
الشرح:
بَابُ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ:
(خَالٍ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ).
قَالَ: (وَإِنْ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَإِنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى فَهُمَا سَوَاءٌ، وَقَالَا: الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَكُلٌّ مِنْ أَصْحَابِهَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فِي الثُّلُثِ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْعِتْقُ الْمُوقَعُ فِي الْمَرَضِ، وَالْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِمَوْتِ الْمُوصِي كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ، وَالْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَرَضِ، لِأَنَّ الْوَصَايَا قَدْ تَسَاوَتْ وَالتَّسَاوِي فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي نَفْسِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْعِتْقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا لِأَنَّهُ أَقْوَى، فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ، وَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، وَإِذَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ سِوَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الْوَصَايَا، وَلَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ.
لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةُ يَلْحَقُهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقَدُّمَ فِي الثُّبُوتِ.
وَلَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، فَكَانَ تَبَرُّعًا بِمَعْنَاهُ لَا بِصِيغَتِهِ، وَالْإِعْتَاقُ تَبَرُّعٌ صِيغَةً وَمَعْنًى، فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُحَابَاةُ أَوَّلًا دُفِعَ الْأَضْعَفُ، وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَثَبَتَ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّفْعَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْمُزَاحَمَةُ، وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِمَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْعِتْقِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فَيَسْتَوِيَانِ، وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَالْمُحَابَاةِ نِصْفَيْنِ وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي، وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى بِكُلِّ حَالٍ.
قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ عَبْدٌ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ لَمْ يُعْتَقْ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ بِحَجَّةٍ يُحَجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ مِنْهَا وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْحَجَّةِ يُرَدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ. وَقَالَا: يُعْتَقُ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ) لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِنَوْعِ قُرْبَةٍ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ اعْتِبَارًا بِالْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ.
وَلَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ لِعَبْدٍ يُشْتَرَى بِمِائَةٍ وَتَنْفِيذُهَا فِيمَنْ يُشْتَرَى بِأَقَلَّ مِنْهُ تَنْفِيذٌ لِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ، وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْمُسْتَحَقُّ لَمْ يَتَبَدَّلْ، فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا يَدْفَعُ الْبَاقِيَ إلَيْهِ.
وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ آخَرَ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَهُوَ: أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمَا حَتَّى تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَلَمْ يَتَبَدَّلْ الْمُسْتَحَقُّ، وَعِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَاخْتَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ وَهَذَا أَشْبَهُ.
قَالَ: (وَمَنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَقَدْ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ فَأَجَازَ الْوَارِثَانِ ذَلِكَ لَمْ يَسْعَ فِي شَيْءٍ) لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ وَقَدْ وَقَعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَنَّهَا تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِمْ وَقَدْ أَسْقَطُوهُ.
قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَجَنَى جِنَايَةً وَدُفِعَ بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ الدَّفْعَ قَدْ صَحَّ لِمَا أَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُوصِي، فَكَذَلِكَ عَلَى حَقِّ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ إلَّا أَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ بَاقٍ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالدَّفْعِ، فَإِذَا خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمُوصِي أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ فَدَاهُ الْوَرَثَةُ كَانَ الْفِدَاءُ فِي مَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ الْتَزَمُوهُ وَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ ظَهَرَ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ.
قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ فَأَقَرَّ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ الْمُوصَى لَهُ: أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَقَالَ الْوَارِثُ: أَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أَوْ تَقُومَ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ، وَلِهَذَا يَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْوَارِثُ يُنْكِرُ، لِأَنَّ مُدَّعَاهُ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ فَكَانَ مُنْكِرًا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ حَادِثٌ، وَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِلتَّيَقُّنِ بِهَا، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَارِثِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ، إلَّا أَنْ يَفْضُلَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ، لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ أَوْ تَقُومُ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، وَهُوَ خَصْمٌ فِي إقَامَتِهَا لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ.
قَالَ: (وَمَنْ تَرَكَ عَبْدًا فَقَالَ لِلْوَارِثِ: أَعْتَقَنِي أَبُوك فِي الصِّحَّةِ وَقَالَ رَجُلٌ: لِي عَلَى أَبِيك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ: صَدَقْتُمَا فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَا: يَعْتِقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ) لِأَنَّ الدَّيْنَ وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ظَهَرَا مَعًا بِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَصَارَا كَأَنَّهُمَا كَانَا مَعًا وَالْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ دَيْنٌ.
وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى، لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى، فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ، فَيَدْفَعُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ أَسْبَقُ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الِاسْتِنَادِ، فَيَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ إسْنَادُ الْعِتْقِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْعِتْقَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ مَجَّانًا فَتَجِبُ السِّعَايَةُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَقَالَ الْآخَرُ كَانَ لِي عِنْدَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٌ، فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى، وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فصلٌ: (مَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى):

قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ مِنْهَا قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا مِثْلُ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ) لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ أَهَمُّ مِنْ النَّافِلَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ.
(فَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ بُدِئَ بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي إذَا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَهَمِّ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالزَّكَاةِ وَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْحَجَّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُمَا وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْفَرِيضَةِ فَالزَّكَاةُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْعِبَادِ فَكَانَ أَوْلَى، وَجْهُ الْأُخْرَى أَنَّ الْحَجَّ يُقَامُ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ قَصْرًا عَلَيْهِ فَكَانَ الْحَجُّ أَقْوَى ثُمَّ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ وَالْحَجُّ عَلَى الْكَفَّارَاتِ لِمَزِيَّتِهِمَا عَلَيْهَا فِي الْقُوَّةِ، إذْ قَدْ جَاءَ فِيهِمَا مِنْ الْوَعِيدِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ، وَالْيَمِينِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ عُرِفَ وُجُوبُهَا دُونَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهَا بِالْقُرْآنِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدِّمُ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْبَعْضِ.
الشرح:
فصلٌ:
قَوْلُهُ: ثُمَّ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ، وَالْحَجُّ عَلَى الْكَفَّارَاتِ لِمَزِيَّتِهِمَا عَلَيْهَا فِي الْقُوَّةِ، إذْ قَدْ جَاءَ فِيهَا مِنْ الْوَعِيدِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي الْكَفَّارَةِ.
قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ الْوَعِيدِ فِي تَرْكِ الزَّكَاةِ: فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَتُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إمَّا إلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إلَى النَّارِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: وَلَا صَاحِبُ إبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا، رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إمَّا إلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إلَى النَّارِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، فَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ»، الْحَدِيثُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي شِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلَا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الْآيَةُ»، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، فَوَقَفَهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، فَخَالَفَ فِي الْإِسْنَادِ، وَقَالَ فِيهِ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، هَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ عِنْدِي خَطَأٌ، وَرِوَايَةُ مَالِكٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ هِيَ الصَّحِيحَةُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ، وَلَا بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إلَّا أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ، وَلَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ مَالٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إلَّا تَحَوَّلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ حَيْثُمَا ذَهَبَ، وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، وَيُقَالُ: هَذَا مَالُك الَّذِي كُنْت تَبْخَلُ بِهِ، فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ.
وَجَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ سَمِعَا شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ يُخْبِرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ، إلَّا مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، حَتَّى يُطَوِّقَ عُنُقَهُ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الْآيَةُ»، انْتَهَى.
وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ يُبَلِّغُهُ حَجَّ بَيْتِ رَبِّهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ، فَلَمْ يَفْعَلْ سَأَلَ الرَّجْعَةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: اتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، إنَّمَا يَسْأَلُ الرَّجْعَةَ الْكَافِرُ، فَقَالَ: أَنَا أَقْرَأُ بِهِ عَلَيْك قُرْآنًا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ} إلَى آخِرِ السُّورَةِ»، ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ أَبِي جَنَابٍ بِهِ مَوْقُوفًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو جَنَابٍ الْقَصَّابُ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِأَبِي جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ النَّسَائِيّ، وَالسَّعْدِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، وَيَحْيَى الْقَطَّانِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عَامِرٌ الْعُقَيْلِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَأَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ، فَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَالشَّهِيدُ، وَعَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ، وَنَصَحَ سَيِّدَهُ، وَفَقِيرٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ، وَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ: فَسُلْطَانٌ مُسَلِّطٌ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ الْمَالِ لَمْ يُعْطِ حَقَّ مَالِهِ، وَفَقِيرٌ فُجُورٌ»، انْتَهَى.
وَقَالَ، الْحَاكِمُ: وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْبَابِ تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: آكِلُ الرِّبَا، وَمُؤْكِلُهُ، وَشَاهِدُهُ، وَلَاوِي الصَّدَقَةِ، مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
وَقَالَ: هَذَا صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْفِتَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَنْ يَمْنَعَ قَوْمٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا»، انْتَهَى.
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ أَزْهَرَ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعْت الزُّهْرِيَّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَقَالَ: «مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَانِعُ الزَّكَاةِ فِي النَّارِ»، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ: رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السَّلَفِيُّ، فِيمَا خَرَّجَهُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ، وَسَعْدُ بْنُ سِنَانٍ مُخْتَلَفٌ فِي اسْمِهِ، وَفِي تَوْثِيقِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْحَجِّ:
أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيِّ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَلَكَ زَادًا، وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَلَمْ يَحُجَّ، فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَهِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ، وَالْحَارِثُ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: «فَلَا يَضُرُّهُ يَهُودِيًّا مَاتَ، أَوْ نَصْرَانِيًّا»، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ إسْنَادًا عَنْ عَلِيٍّ إلَّا هَذَا الْإِسْنَادَ، وَهِلَالٌ هَذَا بَصْرِيٌّ، حَدَّثَ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ: عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَغَيْرُهُمَا، وَلَا نَعْلَمُهُ يَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى.
وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ فِي هِلَالٍ: إنَّهُ مَجْهُولٌ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ جَهَالَةَ الْحَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابَيْهِمَا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَهِلَالٌ هَذَا لَمْ يُنْسَبْ، وَهُوَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَيُكْنَى أَبَا هَاشِمٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، وَأَسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ، وَلَمْ يُرْوَ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقٍ أَصْلَحَ مِنْ هَذَا، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعِلَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعْفُ الْحَارِثِ، وَالْجَهْلُ بِحَالِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْحَجِّ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ، أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ، أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ، فَمَاتَ، وَلَمْ يَحُجَّ، فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ، يَهُودِيًّا، وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا»، انْتَهَى.
وَأَرْسَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَذَكَرَهُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَلَيْثٌ هَذَا هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عَلَى مَا فِيهِ أَصْلَحُهَا، وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا إلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ، فَيَنْظُرُوا كُلَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ جِدَةٌ، وَلَمْ يَحُجَّ، فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ، انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ شَرِيكٍ غَيْرُ يَزِيدَ مُسْنَدًا، قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْبَأَ شَاذَانُ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ إسْنَادًا غَيْرَ قَوِيٍّ، فَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُعَيْمٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غَنْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ، وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يَحُجَّ، فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ، يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَرِيكٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، فَذَكَرَهُ، هَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَعَنْ عُمَرَ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَزْرَمٍ، وَيُقَالُ: عَرْزَبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ، فَذَكَرَهُ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقُطَامِيِّ ثَنَا أَبُو الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ، وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ وَجَعٍ حَابِسٍ، أَوْ حَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ، أَوْ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، فَلْيَمُتْ، أَيَّ الْمِلَّتَيْنِ شَاءَ: إمَّا يَهُودِيًّا، وَإِمَّا نَصْرَانِيًّا»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقُطَامِيِّ قَالَ الْفَلَّاسُ: كَانَ كَذَّابًا، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: رَوَى عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنُسْخَةٍ مَوْضُوعَةٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْوَسِيطِ أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ أَحْمَدَ الصُّوفِيُّ أَنْبَأَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي مُوسَى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ الْفَرَحِ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمِ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ لَمْ يَحُجَّ، وَلَمْ يُحَجَّ عَنْهُ، لَمْ يُقْبَلْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَلٌ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ، بِسَنَدِ الدَّارِمِيِّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ إنْ صَحَّ، فَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ لَا يَرَى تَرْكَهُ مَأْثَمًا، وَلَا فِعْلَهُ بِرًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ: (وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي) لِمَا بَيَّنَّا وَصَارَ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ، قَالُوا إنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا مَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ، فَمَا أَصَابَ الْقُرَبَ صُرِفَ إلَيْهَا عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْقُرَبِ وَلَا يُجْعَلُ الْجَمِيعُ كَوَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِجَمِيعِهَا رِضَا اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ وَاحِدَةٍ فِي نَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ فَتَنْفَرِدُ كَمَا تَنْفَرِدُ وَصَايَا الْآدَمِيِّينَ.
قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ رَاكِبًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ تَعَالَى الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيه مِنْ بَلَدِهِ، وَالْوَصِيَّةُ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ رَاكِبًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ.
قَالَ: (فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْوَصِيَّةُ النَّفَقَةَ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُحَجُّ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْحَجَّةِ عَلَى صِفَةٍ عَدِمْنَاهَا فِيهِ غَيْرَ أَنَّا جَوَّزْنَاهُ، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ، وَالْمُمْكِنُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهَا رَأْسًا، وَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مِنْ قَبْلُ.
قَالَ: (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافَ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ.
لَهُمَا أَنَّ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً وَسَقَطَ فَرْضُ الْمَسَافَةِ بِقَدْرِهِ وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَيَبْتَدِئُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، بِخِلَافِ سَفَرِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ.
وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ أَدَاءً لِلْوَاجِبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.